دور القاضي الإداري في حماية الملكية العقارية للأفراد
على ضوء القانون والممارسة
(رقابة المشروعية على مسطرة نزع الملكية نموذجا
من إعداد
أ: مراد عنبوش
باحث في القضاء الإداري.
توطئة:
مقتطف من نص الخطاب السامي الذي ألقاه جلالة الملك في افتتاح الدورة الأولى بمناسبة الولاية التشريعية العاشرة أمام البرلمان بتاريخ 14 أكتوبر 2016
»فالعديد من المواطنين يشتكون من قضايا نزع الملكية، لأن الدولة لم تقم بتعويضهم عن أملاكهم أو لتأخير عملية التعويض لسنوات طويلة تضر بمصالحهم أو لأن مبلغ التعويض أقل من ثمن البيع المعمول به، وغيرها من الأسباب.
إن نزع الملكية يجب أن يتم لضرورة المصلحة العامة القصوى وأن يتم التعويض طبقا للأسعار المعمول بها، في نفس تاريخ القيام بهذه العملية مع تبسيط مساطر الحصول عليه.
ولا ينبغي أن يتم تغيير وضعية الأرض التي تم نزعها، وتحويلها لأغراض تجارية أو تفويتها من أجل المضاربات العقارية.
كما أن المواطن يشتكي بكثرة، من طول وتعقيد المساطر القضائية، ومن عدم تنفيذ الأحكام، وخاصة في مواجهة الإدارة.
فمن غير المفهوم أن تسلب الإدارة للمواطن حقوقه وهي التي يجب أن تصونها وتدافع عنها، وكيف لمسؤول أن يعرقل حصوله عليها وقد صدر بشأنها حكم قضائي نهائي . «
مقدمة:
يعد حق الملكية من أبرز وأهم الحقوق الدستورية والقانونية نظراً لما يمثله من أهمية في حياة الأفراد والدولة ودوره الحيوي في شتى مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية والتنموية ، فهو حصيلة جهد الإنسان وثمرة عمله وسعيه لكسب الرزق وتكوين الثروات، وقد حظي بالاهتمام وأُحيط بالرعاية إلا أن درجة ذلك الاهتمام تفاوتت تبعاً للاتجاه الفكري أو الديني السائد في هذه الدولة، فبعض الدول بالغت في نظرتها إليه إلى حد اعتباره في فترة من الزمن حقاً مقدساً لا يجوز المساس به، هذه النظرة تغيرت تماشياً مع التغير في المفاهيم السياسية والتطورات الاقتصادية، فحق الملكية الخاصة للأفراد مرتبط بمبدأ المشروعية الذي يعد بدوره من المبادئ الهامة التي تتبوأ مكانة خاصة في الفكر القانوني لكونها أحد أهم الضمانات الأساسية الفعالة لحقوق وحريات الافراد والشعوب، هذا المبدأ بمعناه الواسع يعني خضوع الحكام والمحكومين للقانون، أي أن القانون يعلى ولا يعلى عليه مع توافق تصرفاتهم القانونية والمادية مع مقتضيات الشرعية مما يسهم في النهوض بالدولة في شتى المجالات، أما مبدأ المشروعية بمعناه الضيق يشمل جميع القواعد العامة الملزمة أيا كان شكلها (مكتوبة أو غير مكتوبة )، أو مصدرها في حدود تدرجها (قانون دستوري قانون عادي……..إلخ) ، وأيا كان تصرف الإدارة وعملها (قانونيا أم ماديا).[1]
ولهذا نجد المشرع المغربي بموجب الدستور فاتح يوليوز 2011 وكذا القوانين الداخلية أقر مبدأ المشروعية على عدة مستويات أبرزها، مبدأ استقلال القضاء وحصانته، وحق التقاضي للناس كافة وضمان الحقوق والحريات العامة بما فيها حق الملكية، كما أقر دولة القانون والحق وبيان مرتكزاتها الأساسية من خلال توفير الضمانات القانونية والقضائية والإدارية لحماية حقوق الإنسان وكرامته وحرياته الأساسية، وذلك تماشيا مع حقوق الإنسان والمواطن الصادر سنة 1789 حيث جاءت المادة 17 منه على النحو التالي ( الحق في الملكية هو حق مقدس لا يمكن انتهاكه ولا يجوز انتزاع الملكية من أحد، إلا إذا قضت به صراحة الضرورة العامة، وذلك بعد التحقق من وجودها بصورة مشروعة، بشرط أن يتقدم هذا الانتزاع تعويض عادل و مسبق)، أما الملكية بمقتضى المادة 17 من الإعلان العالمي لحقوق الانسان الصادر سنة 1789 تعتبر حقا مقدسا لا يجوز انتهاك حرمته، ولا يجوز حرمان صاحبه منه، إلا إذا قضت بذلك ضرورة مصلحة عامة ثبتت قانونا وبشرط التعويض العادل والمدفوع مقدما، كما أن دستور المملكة المغربية لفاتح يوليوز 2011 الذي يعتبر أسمى قانون نص في الفصل 35 في فقرته الأولى ( يضمن القانون حق الملكية، ويمكن الحد من نطاقها وممارستها بموجب القانون، إذا اقتضت ذلك متطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد، ولا يمكن نزع الملكية إلا في الحالات ووفق الاجراءات التي ينص عليها القانون).[2]
وقد عرفت المادة 14 من قانون 39.08 الصادر بتنفيذه الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.11.178 الموافق ل 25 من ذي الحجة 1432 المتعلق بمدونة الحقوق العينية الملكية العقارية بأنها حق يخول لمالك العقار دون غيره سلطة استعماله واستغلاله والتصرف فيه ولا يقيده في ذلك إلا القانون أو الاتفاق.[3]
وقد شكل القانون رقم 81 -7 المتعلق بنزع الملكية لأجل المنفعة العامة وبالاحتلال الموقت الصادر بتنفيذه الطهير الشريف رقم 1.81.254 بتاريخ 11 رجب 1402 (6 ماي 1982) ، وكذا المرسوم رقم 2.82.382 المؤرخ في 2 رجب 1403 (16 ابريل 1983) الصادر بشأن تطبيق القانون المذكور والمنشوران بالجريدة الرسمية عدد 3685 بتاريخ 3 رمضان 1403 (15 يونية 1983) الإطار القانوني لنزع الملكية.[4]
ومعلوم أن هذا التشريع حل محل ظهير 3 أبريل 1951 لتجاوز سلبيات هذا الأخير حيث تضمن مقتضيات من شأنها الإسراع بالإجراءات الإدارية لنزع الملكية وتمكين نازع الملكية من تملك العقارات اللازمة لإنجاز المشاريع المزمع تحقيقها في أسرع وقت ممكن.
ومع إحداث المحاكم الإدارية بموجب قانون 90/41 تم الإقرار باختصاص هذه المحاكم بالنظر في النزاعات المتعلقة بنزع الملكية من أجل المنفعة العامة، وذلك بموجب المادة الثامنة من القانون السالف الذكر.
وعليه بناء على ما سبق تبرز أهمية الموضوع من خلال زاويتين:
* الأولى نظرية: يمكن حصرها من خلال تحديد الإطار النظري لتكريس مبدأ المشروعية على عمل ورقابة القاضي الإداري على نزع الملكية وحماية الملكية الخاصة للأفراد من تعسفات الإدارة والاعتداء المادي.
* وزاوية عملية: تتمثل في تحديد وإبراز تطبيقات تدخلات القاضي الإداري على أرض الواقع في هذا الخصوص، مع بيان التوجهات الحديثة للقاضي الإداري في خلق التوازن بين الإدارة والأطراف في مجال نزع الملكية.
وللوقوف على الموضوع جيدا لابد من الإجابة عن التساؤلات التالية:
- فماهي إذن تجليات مبدأ المشروعية من خلال الدور الرقابي للقاضي الإداري في مجال مسطرة نزع الملكية؟
- و أين يتجلى دور القاضي الإداري في تكريس المشروعية وسيادة القانون؟
- وما المقصود بالمنفعة العامة المنصوص عليها في قانون 81/7 المتعلق بمسطرة نزع الملكية؟
- وما هي العلاقة الموصولة بين مسطرة عملية النزع وزجر واقعة الاعتداء المادي على حق الملكية الخاصة بالأفراد؟
- وما هو نطاق الرقابة المعتمدة من قبل القاضي الإداري في هذا الشأن؟
- وماهي الآليات التي يعتمدها بهدف حماية حق الملكية الخاصة للأفراد من تعسفات الإدارة؟
- وماهي ضمانات المشرع في حماية حقوق الأفراد في مواجهة شطط وتجاوز الإدارة لسلطاتها في هذا المجال؟
- وهل فعلا استطاع المشرع إحقاق العدل بشأن تعويض ذوي الحقوق بمناسبة عملية النزع التي شملت عقاراتهم المنزوعة؟
- و ما هو دور القاضي الإداري في حماية الفرد من الاعتداء المادي على ملكيته الخاصة؟
- وهل يعتبر مبدأ المشروعية آلية بيد القاضي الإداري يحمي من خلالها ملكية الأفراد الخاصة من تعسفات الإدارة على ملكية الأفراد؟
- وإن كانت هذه آلية بيد القاضي الإداري فكيف يتدخل بموجبها من أجل حماية ملكية الأفراد الخاصة؟
- وماهي التوجهات الحديثة للقاضي الإداري في تكريس مبدأ المشروعية في مجال نزع الملكية؟
- وكيف تلعب نظرية الموازنة دورا هاما في هذا الخصوص؟ وماهي تطبيقاتها على أرض الواقع على مستوى الاجتهاد والعمل القضائي؟
المبحث الأول: تكريس مبدأ المشروعية من خلال رقابة القاضي الإداري على شروط نزع الملكية
تطرق المشرع المغربي من خلال القانون رقم 7.81 المتعلق بنزع الملكية لأجل المنفعة العامة وبالاحتلال المؤقت، وكذا المرسوم التطبيقي له إلى شروط نزع الملكية من أجل المنفعة العامة بحيث يمكن حصرها على الشكل التالي:
المطلب الأول: رقابة القاضي الإداري على شرط المنفعة العامة في مسطرة نزع الملكية
إن المشرع المغربي في القانون رقم 7.18 الذي صدر سنة 1982 حاول تجاوز السلبيات التي كانت واردة في كل من ظهير 1914 وظهير 1951، حيث اكتفى بالنص في الجزء الأول المعنون “نزع الملكية للمنفعة العامة” بالنص في المادة الأولى من هذا القسم على أن نزع ملكية العقارات كلا أو بعضا، وملكية الحقوق العينية العقارية لا يجوز الحكم به إلا إذا أعلنت المنفعة العامة، كما أن الفصل الثالث من نفس القانون نص من جهة ثانية على أنه يخول حق نزع الملكية إلى الدولة والجماعات الترابية، وإلى الأشخاص المعنويين الآخرين الجارية عليهم أحكام القانون العام أو الخاص أو الأشخاص الطبيعيين الذين تفوض إليهم السلطة العامة حقوقها للقيام بأشغال أو عمليات معلن أنها ذات منفعة عام، وبالتالي فإن مسطرة نزع الملكية يجب أن تهدف في جميع الحالات إلى القيام بأشغال وأعمال تكتسي صبغة المنفعة العامة، وقد تفادت التشريعات تحديد مفهوم المنفعة العامة معتبرة ذلك من اختصاص الفقه والقضاء، على أن الإدارة في مختلف الأنشطة التي تمارسها في الحقيقة، من المفروض أن تسعى إلى تحقيق هدفين أساسيين: هما المحافظة على النظام وتحقيق المصلحة العام، وإذا كان مما لا جدال فيه أن قصد المشرع من إيجاد مسطرة نزع الملكية هو تسهيل إنجاز المشاريع التي تتسم بطابع المنفعة العامة، فإن هذا المفهوم قد عرف تطورا مستمرا نتيجة تزايد تدخل الدولة لإنشاء مرافق متعددة لم يكن لها شأن بها من قبل، ولا شك أن واضعي ظهير 31 غشت 1914 حول نزع الملكية لأجل المنفعة العامة قد تأثروا إلى حد بعيد بالخطوط العريضة للاجتهاد القضائي الفرنسي في نهاية القرن التاسع عشر بخصوص مفهوم المنفعة العامة، ولذلك تفادى المشرع تعريف هذا المفهوم واقتصر على الإشارة إلى بعض العمليات أو الأشغال التي تكتسي صبغة المنفعة العامة.[5] مثل إحداث الطرق والسكك الحديدية والمراسي والأشغال الحضرية والأشغال العسكرية والمحافظة على الغابات وإصلاح الأراضي الجبلية، والمحافظة على المناظر الطبيعية وغيرها، كما أن ظهير 3 أبريل 1951 احتفظ بجوهر الفصل المذكور، دون يعني أن هذا التعداد هو على سبيل الحصر، بل أن المشرع ترك للإدارة المجال مفتوحا لتحديد الأعمال التي تكتسي صبغة المنفعة العامة وتحقق المصلحة العامة[6].
المطلب الثاني: رقابة القاضي الإداري على نطاق نزع الملكية
مما لا شك فيه رقابة القاضي الإداري على نطاق نزع الملكية يستهدف بالأساس:
العقارات والحقوق العينية العقارية دون المنقولات، إلا إذا أصبحت هذه الأخيرة تكتسي صبغة عقارية عن طريق الضم والإدماج، وبالرجوع إلى مدونة الحقوق العينية، تنقسم العقارات إلى عقارات بطبيعتها وعقارات بالتخصيص، والعقار بطبيعته هو كل شيء مستقر بحيزه ثابت فيه لا يمكن نقله من دون تلف أو تغيير في هيئته، أما العقار بالتخصيص فهو المنقول الذي يضعه مالكه في عقار يملكه رصدا لخدمة هذا العقار واستغلاله أو يلحقه به بصفة دائمة وبالتالي ينصب نزع الملكية على العقارات التي يملكها الأفراد بالإضافة إلى أملاك الدولة الخاصة.
تجدر الإشارة أن المشرع استثنى صراحة نزع ملكية المباني ذات الصبغة الدينية المعدة لإقامة مختلف الشعائر وكذا المقابر والعقارات التابعة للملك العام والمنشآت العسكرية[7].
المبحث الثاني: تكريس مبدأ المشروعية من خلال رقابة القاضي الإداري على مراحل تنفيذ مسطرة نزع الملكية
مما لا شك فيه أن مسطرة نزع الملكية من أجل المنفعة العامة وفق قانون 7.81 تمر عبر على مرحلتين: مرحلة إدارية صرفة ومرحلة قضائية، هذه المراحل هي حساسة ذات بعد إنساني لأنها تجعل الدولة تنزع شيء مقدس في نفوس الأفراد، ألا وهو ملكيته الخاصة العقارية وبالتالي فالقاضي الإداري ملزم برقابة دقيقة مما يسهم في تكريس مبدأ المشروعية.
المطلب الأول: تكريس مبدأ المشروعة من خلال رقابة القاضي الإداري للمرحلة الإدارية لنزع الملكية
تتولى هذه المرحلة السلطة الإدارية، وذلك باحترام مسطرة قانونية معينة تتوقف عليها مشروعية القرار الذي يقضي بنزع الملكية، هذه المسطرة تبتدئ بالإعلان عن المنفعة العامة ثم مقرر التخلي تم القيام بإجراء بحث إداري وتنتهي بمحاولة الاتفاق بالتراضي بين المالك العقار والسلطة الإدارية المختصة بنزع الملكية، وتخضع هذه المسطرة لرقابة القضاء للتأكد من مشروعيتها.
أ/ الإعلان عن المنفعة العام
من بين الإجراءات الأساسية لنزع الملكية يوجد مقرر إعلان المنفعة العامة، إذ ورد بالفصل الأول من قانون نزع الملكية (إن نزع ملكية العقارات كلا أو بعضا أو ملكية الحقوق العينية العقارية لا يجوز الحكم به إلا إذا أعلنت المنفعة العامة …).
- السلطة المسندة إليها مهمة إعلان المنفعة العامة
إن القانون المتعلق بنزع الملكية لأجل المنفعة العامة وبالاحتلال الموقت لم يعين الجهة المسندة إليها مهمة اعلان المنفعة العامة، إذ أن الفصل 6 من هذا القانون اقتصر على الاشارة إلى أنها تعلن بمقرر إداري، وبالرجوع إلى مرسوم التطبيق الصادر بتاريخ 16 أبريل 1983 نجد أنه ينص في الفصل الأول منه على ما يلي: (تطبيقا للفصل 6 من القانون رقم 81. 7 تعلن المنفعة العامة بمرسوم يتخذ باقتراح من الوزير المعني بالأمر).
فالإعلان عن المنفعة العامة يتم إذن بموجب مرسوم باقتراح من الوزير المعني بالأمر.
- إشهار مقرر إعلان المنفعة العامة
أحاط المشرع عملية نزع الملكية بإشهار واسع النطاق وذلك من أجل إيجاد نوع من التوازن بين مصالح نازع الملكية التي تقتضي السرعة والمرونة وضرورة الحفاظ على حقوق الملاك وغيرهم من المعنيين بالأمر، وهكذا نص الفصل 8 من قانون نزع الملكية على تدابير الإشهار اللازمة بشأن مقرر إعلان المنفعة العامة وهي كالتالي:
- نشر مقرر اعلان المنفعة العامة في الجريدة الرسمية (النشرة العامة)؛
- نشر إعلان بشأن نفس المقرر في جريدة أو عدة جرائد مأذون لها في نشر الإعلانات القانونية مع الإشارة إلى تاريخ الجريدة الرسمية التي وقع نشره فيها؛
- تعليق النص الكامل بمكاتب الجماعة الترابية التي تقع فيها المنطقة المقرر نزع ملكيتها؛
- كما يجوز اللجوء إلى وسائل الإشهار الأخرى المفيدة (كالمناداة في الأسواق مثلا).
وتجدر الإشارة إلى أن تدابير الإشهار المذكورة أعلاه لا تكتسي دائما طابعا إجباريا بالنسبة لنازع الملكية بل تصبح اختيارية إذا تعلق الأمر بأشغال تهم الدفاع الوطني (المادة 14 من قانون نزع الملكية).
وإذا اختار نازع الملكية العدول عن هذه الإجراءات يجب أن يتضمن المقرر بيان الأملاك المطلوب نزع ملكيتها، وأن يبلغ إلى الملاك كسائر التبليغات الإدارية التي تسلم مباشرة إلى المعنيين بالأمر، وفي حالة تعذر ذلك يكتفى بتوجيهها إلى وكيل الملك التابع لنفوذه موقع العقار (المادة 46 من القانون 81/7)[8].
- أثـار مقرر الإعلان عن المنفعة العامة
إن أهم أثر يترتب عن نشر مقرر الإعلان عن المنفعة العامة هو إخضاع المنطقة التي يعينها الاتفاقات ترمي بالأساس إلى منع القيام بأي بناء أو غرس أو تحسين في العقارات الموجودة بتلك المنطقة إلا بموافقة نازع الملكية.
ملاحظة: مدة صلاحية مقرر الإعلان عن المنفعة العامة محددة في سنتين تبتدئ من تاريخ نشر هذا المقرر بالجريدة الرسمية ولا يمكن تمديد هذا الأجل إلا بمقتضى إعلان جديد للمنفعة العامة[9].
ب/مقرر التخلــي
إن الهدف من مقرر التخلي هو تعيين الأملاك التي ستشملها نزع الملكية وذلك بإعطاء جميع البيانات المتعلقة بها لاسيما وضعيتها القانونية ومساحتها وأسماء الملاك وذوي الحقوق وعناوينهم.
وبإمكان نازع الملكية أن يدمج بين مقرر التخلي المعين للعقارات ومقرر الإعلان عن المنفعة العامة في مقرر واحد يعتبر في هذه الحالة بمثابة مقرر التخلي، وتسري عليه قواعد الاختصاص فيما يخص السلطة المختصة بالإعلان عن المنفعة العامة أي أن المقرر بمثابة التخلي يتم بمرسوم باقتراح من الوزير المعني بالأمر.
وإذا اقتصر المقرر المعني عن المنفعة العامة على تحديد المنطقة القابلة لنزع الملكية يكون من اللازم تعيين العقارات اللازمة بواسطة مقرر التخلي ويتم اتخاذه كما هو مبين بالفصل الثاني من المرسوم التطبيقي لنزع الملكية من طرف:
- رئيس المجلس الجماعي إذا كان القائم بنزع الملكية جماعة حضرية أو قروية أو أي شخص تفوض إليه هذا الحق؛
- عامل الاقليم أو العمالة إذا كان القائم بنزع الملكية إقليم أو عمالة أو شخص يفوض إليه هذا الحق؛
- الوزير المعني بالأمر بعد استشارة وزير الداخلية في الحالات الأخرى.
ويخضع مقرر التخلي قبل صدوره أي في صيغته كمشروع إلى البحث الإداري الذي يستغرق مدة شهرين ويعمل نازع الملكية على القيام بالإجراءات التالية:
- نشر مشروع المقرر بالجريدة الرسمية (نشرة الإعلانان القانونية والإدارية والقضائية)؛
- نشر نفس النص في جريدة أو عدة جرائد مأذون لها في نشر الإعلانات القانونية؛
- إيداعه مصحوبا بتصميم لدى الجماعة المحلية التابع لها موقع العقار موضوع نزع الملكية وذلك لفسح المجال للمعنيين بنزع الملكية للاطلاع عليه وإبداء ملاحظاتهم بشأنه خلال أجل شهرين يبتدئ من تاريخ النشر بالجريدة الرسمية، ويجب أن يودع نفس المشروع؛
- بالمحافظة على الأملاك العقارية لتقييده في الرسم العقاري إذا كان العقار محفضا أو بسجل التعرضات إذا كان العقار في طور التحفيظ، وبكتابة الضبط لدى المحكمة الإدارية في حالة ما إذا كان هذا العقار غير محفظ، وذلك من أجل التقييد بالسجل الخاص المنصوص عليه في الفصل 455 من قانون المسطرة المدنية والمعد أصلا لتقييد الأوامر الصادرة بالحجز التحفظي على العقارات غير المحفظة.
هذا وبمجرد انتهاء فترة البحث الإداري يسارع نازع الملكية إلى استصدار مقرر التخلي في صيغته النهائية ويتم إخضاعه لعملية الإشهار التكميلي أي:
- النشر في الجريدة الرسمية؛
- النشر في جريدة أو عدة جرائد؛
- تعليق النص الكامل بمكاتب الجماعة الترابية.
ولتاريخ النشر بالجريدة الرسمية أهمية كبرى إذ انطلاقا منه تبتدئ مدة صلاحية مقرر التخلي التي تمتد على مدى سنتين فإن لم يتقدم نازع الملكية خلالها بطلب نقل الملكية وتحديد التعويض لدى المحكمة الإدارية المختصة فلا يمكن مواصلة مسطرة نزع الملكية الا بواسطة إعلان جديد للمنفعة العامة، وخلال مدة صلاحية مقرر التخلي يمنع أيضا على الملاك القيام بأي بناء أو غرس أو تحسين على غرار ما هو معمول به بالنسبة لمقرر الإعلان عن المنفعة العامة كما سبقت الإشارة إلى ذلك[10].
ج/ رقابة القاضي الإداري من خلال مرحلة الاتفاق بالتراضي
إن محاولة الاتفاق بالتراضي بشأن نزع الملكية لأجل المنفعة العامة، كانت مسألة إجبارية في ظهير سنة 1951، أما بمقتضى القانون رقم 7.81 السالف الذكر فإنها أصبحت اختيارية، وفي حالة اتفاق الطرفين على تحديد مبلغ التعويض عن طريق التراضي، فإن ذلك يعفي من الخوض في المرحلة القضائية لنزع الملكية للمنفعة العامة.
وعليه وعند صدور المقرر المعين للعقارات يبادر نازع الملكية إلى جمع اللجنة الإدارية للتقييم لتحديد القيمة للعقارات موضوع نزع الملكية عملا بمقتضيات الفصل 42 من قانون نزع الملكية.
وتكون القيمة المحددة من طرف هذه اللجنة الأساس الذي يعتمده نازع الملكية للتقدم باقتراح للمنزوعة منه الملكية في محاولة قصد الحصول على الاتفاق بالتراضي.
وفي حالة موافقة المالك على القيمة المحددة من طرف اللجنة الإدارية للتقييم يتم إبرام الاتفاق بالتراضي عن طريق محضر أمام السلطة المحلية التابع لها موقع العقار ، إذا كان المنزوعة منه الملكية يقيم بالمكان المذكور أما إذا كان هذا الأخير غير مقيم بذلك المكان فإن هذا الاتفاق يتم بواسطة عقد عرفي أو عدلي أو توثيقي[11].
تجدر الإشارة أن اللجنة الإدارية المشار إليها في الفصل 42 من القانون 81/7 الأنف الذكر والمكلفة بتحديد ثمن العقار أو الحقوق العينية المنزوعة ملكيتها تتكون من الأعضاء الدائمين الآتي بيانهم:
– السلطة المحلية أو ممثلها رئيسا؛
– رئيس دائرة أملاك الدولة أو منتدبه؛
– قابض التسجيل أو التنبر أو منتدبه؛
– ممثل طالب نزع الملكية أو الإدارة التي يجري نزع الملكية لفائدتها.
* ويضاف إلى اللجنة المذكورة أعضاء غير دائمين وهم بحسب طبيعة العقار:
-مفتش الضرائب الحضرية أو منتدبه إذا تعلق الأمر بأراضي حضرية؛
– مفتش التعمير أو منتدبه إذا تعلق الأمر بأراضي مبنية أو غير مبنية؛
– مفتش الضرائب القروية أو منتدبه؛
– الممثل الإقليمي لوزارة الفلاحة والإصلاح الزراعي إذا تعلق الأمر بأراضي قروية وتتولى السلطة القائمة بنزع الملكية الكتابة”.
وتجتمع اللجنة المشار إليها في النص أعلاه بطلب من نازع الملكية وهذه اللجنة تنحصر مهمتها الأساسية في وضع تقويم تقريبي للعقارات أو الحقوق العينية محل نزع الملكية من أجل المنفعة العامة، على أنه لا بد من ملاحظة أن التعويضات التي يتفق عليها أعضاء لجنة التقويم كمقابل للأملاك أو الحقوق العينية محل نزع الملكية تكون في الكثير من الأحيان زهيدة جدا بكيفية تـنزع عنها طابع الجدية.[12]
والجدير بالذكر، أن القضاء يراقب مشروعية المسطرة الإدارية لنزع الملكية عن طريق دعوى الإلغاء للشطط في استعمال السلطة، إذا أثبت المعنيون بالأمر أن الغرض من نزع الملكية لا ينصب على تحقيق المنفعة العامة.
المطلب الثاني: تكريس مبدأ المشروعة من خلال رقابة القاضي الإداري للمرحلة القضائية لنزع الملكية
تتم هذه المرحلة في حالة عدم حصول الاتفاق بين السلطة الإدارية ومالك العقار المراد نزع ملكيته، وهي تشمل ثلاثة عناصر:
- طلب الإذن بالحيازة.
- نقل الملكية.
- تحديد التعويض.
أ/رقابة القاضي الاستعجالي في مرحلة طلب الاذن الحيازة:
بعد صدور مرسوم نزع الملكية يتعين على نازع الملكية داخل أجل سنتين إيداع مقالي الحيازة ونزع الملكية لدى المحكمة الابتدائية الإدارية التي يقع العقار المنزوعة ملكيته في دائرة نفوذها، ويتعين على طالب نزع الملكية التوجه إلى المحكمة الإدارية الواقع العقار في دائرة نفوذها لتقديم طلب لأجل الحكم له بحيازة العقار مقابل إيداع أو دفع مبلغ التعويض المقترح، الذي يكون بمثابة تعويض احتياطي، ولا يجوز للقاضي (قاضي المستعجلات) أن يرفض هذه الحيازة إلا إذا كانت المسطرة التي تتبعها الإدارة في ذلك قابلة للإبطال.
ب/ رقابة القاضي الإداري طلب نقل الملكية
طبقا للمادة 37 من القانون رقم 41.90 المحدث للمحاكم الإدارية، يتم نقل الملكية بإيداع نازع الملكية طلبا لدى المحكمة الإدارية الواقع الملك في نفوذها، فيتولى رئيس المحكمة المختصة أو القاضي المفوض من قبله إصدار حكم يقضي بنقل الملكية، وعلى المحكمة الإدارية قبل إصدار حكم بنقل الملكية التأكد أساسا من أمرين، الأول يتعلق بتقديم الطلب داخل الأجل القانوني والمحدد في سنتين من تاريخ نشر مرسوم الإعلان عن المنفعة العامة، والثاني بإتمام نازع الملكية للإجراءات الإدارية التي تطرقنا إليها خلال معالجتنا للمرحلة الإدارية لنزع الملكية[13].
واستنادا إلى ما سبق، فإن مراقبة قاضي نزع الملكية للإجراءات الواجب على نازع الملكية القيام بها قبل رفع الدعوى تعتبر من النظام العام، وله أن يثيرها تلقائيا، حتى ولو لم يثرها المدعى عليه المنزوع ملكيته.
ج/رقابة القاضي الإداري على تحديد التعويض عن نقل الملكية
- تحديد التعويض:
تختص المحاكم الإدارية بتقدير قيمة التعويض عن نقل الملكية، مراعية في ذلك مجموعة من الاعتبارات مستمدة أساسا من الفصل 20 من قانون رقم 7.81 المشار إليه أعلاه، وهي كالتالي:
يجب ألا يشمل التعويض إلا الضرر الحالي والمحقق ومفاده أن التعويض يجب ألا يشمل إلا الضرر الحال Préjudice certain وليس الاحتمالي، أي أنه لا يجوز البحث عن الأضرار المستقبلية أو تلك التي لم تحدث فعلا من أجل تقدير تعويض المنزوعة ملكيتهم.
يحدد قدر التعويض حسب قيمة العقار يوم صدور قرار نزع الملكية: أي أنه يراعى في تقدير قيمة العقار يوم نشر مقرر التخلي أو تبليغ مقرر إعلان المنفعة المعين للعقارات التي ستنزع ملكيتها[14].
- آليات القاضي الإداري المعتمدة على سبيل الاستئناس لتحديد التعويض (الخبرة القضائية نموذجا):
تحتاج الهيئة القضائية إلى الاستعانة برأي الخبراء في الميدان العقاري وتأمر في هذا الصدد بواسطة حكم قضائي تمهيدي بإجراء خبرة تعين للقيام بها خبيرا يعهد له بتحديد القيمة وتحدد المحكمة أتعاب الخبير والأجل الذي يتعين أن يتم فيه إيداع هذه الأتعاب والأجل الذي يجب أن يوضع فيه تقرير الخبرة بكتابة ضبط المحكمة، ويتم انجاز الخبرة وفق المقتضيات المنصوص عليها في قانون المسطرة المدنية حيث يقوم الخبير بعد استدعاء الأطراف ويخبرهم بمهمته ويحرر تقريرا في الموضوع يضمنه جميع مستنتجاته، وتجدر الإشارة إلى أن الخبرة لتكون سليمة يجب أن تراعى مقتضيات الفصل 20 من قانون نزع الملكية المشار إليها أعلاه.[15]
غير أنه من الناحية العملية نلاحظ مع الأسف الشديد أن تقارير الخبراء لا تخضع لأي منطق قانوني إذ في غالب الأحيان تكون منحازة إلى جانب المنزوعة منه الملكية وتأتي المبالغ المحددة من طرفهم مرتفعة وأحيانا خيالية، وهذا ما يؤدى في كثير من الاحيان الى أن المحاكم تستبعد الخبرة المنجزة وتعين لهذا الغرض خبيرا آخر للقيام بالمهمة وذلك بهدف تكوين قناعتها وتحديد تعويض عادل بالنسبة للطرفين، وبالرغم من أن المحكمة تعين الخبير لمساعدتها في تحديد التعويض فإنه يبقى لنازع الملكية الحق فيما يخص القيمة التي يتوصل إليها الخبير عن طريق الادلاء بعناصر للمقارنة لها نفس مواصفات العقار موضوع نزع الملكية، من حيث الموقع والمساحة والتخصيص المعماري وتوفره على التجهيز أو انعدامه[16].
د/ الآثار المترتبة على صدور حكم نزع الملكية
بعد صدور الحكم بنزع الملكية تنتقل الملكية لفائدة نازع الملكية خالية من كل تكليف أو تحمل إذ يعتبر هذا الحكم مطهرا للعقار من كل التحملات، فالفصل 37 من قانون نزع الملكية نص صراحة على هذا المبدأ، سواء كان العقار محفظ أو في طور التحفيظ أو غير محفظ، ومقابل هذا الأثر المطهر للعقار والناقل للملكية ألزم المشرع نازع الملكية أداء التعويض المحكوم به لفائدة المنزوعة منه الملكية إما مباشرة أو عن طريق الإيداع لدى صندوق الإيداع والتدبير، إذا لم يدل المالك بالرسوم المثبتة للملكية أو أدلى بوثائق غير كافية.
وتجدر الإشارة إلى أنه إذا لم يعمل نازع الملكية على الأداء أو الإيداع خلال أجل شهر ابتداء من يوم تبليغ الحكم الصادر بالإذن في الحيازة أو بنزع الملكية ترتبت عن ذلك لصالح المنزوعة ملكيتهم بمجرد انتهاء هذا الأجل فوائد حسب السعر القانوني المعمول به في ميدان المعاملات المدنية أي ستة في المائة سنويا من مبلغ التعويض[17].
ج/ طـرق الطعــن
* الطعن في الأمر الاستعجالي بالحيازة:
إن الأمر الاستعجالي الصادر بالحيازة يعتبر نهائيا بصدوره إذ لا يقبل التعرض ولا الاستئناف.
غير أن الأمر الاستعجالي يبقى مع ذلك خاضعا للطعن فيه بالنقص وذلك اعتبارا لسكوت النصوص الواردة في قانون نزع الملكية عن منع النقض الشيء الذي يجوز معه في هذه الحالة تطبيق قانون المسطرة المدنية الذي يجيز النقص في الأوامر الاستعجالية.
* الطعن في الحكم القاضي بنزع الملكية وتحديد التعويض:
إن الحكم في الشق المتعلق بنزع الملكية لا يقبل بدوره التعرض ولا الاستئناف ماعدا فيما يتعلق بالشق الخاص بتحديد التعويض.
وتجدر الإشارة الى أن استئناف الحكم فيما يخص التعويض يكون أمام المحكمة الإدارية الاستئنافية خلال أجل ثلاثين يوما من تاريخ التبليغ، كما أن الحكم الاستئنافي يقبل أيضا النقض فيما يخص التعويض خلال أجل شهر من تبليغه[18].
المبحث الثالث: التوجه الحديث للقاضي الإداري في الرقابة على شرط المنفعة العامة
المطلب الأول: مفهوم آلية نظرية الموازنة
تضطر الدولة أحيانا من أجل القيام بالتحسينات الصحية والمدنية والصناعية والزراعية ورغبة منها في مجاراة التيار العمراني ، وفي تنظيم المدن إلى المساس بالملكية الفردية ونزع الملكية مقابل تعويض إذ ينجر عن عملية نزع الملكية من أجل المنفعة العامة منازعات تجعل القاضي الجالس في القضايا الإدارية أمام مصلحتين ، المصلحة العامة والمصلحة الخاصة اللتان تقابلهما إشكاليتا عدم وجود مفهوم دقيق للمنفعة العمومية وكذا عدالة التعويض، مما يؤدي إلى تعقيد مهمته حيث يطلب منه مراعاة حقوق الأفراد واحترام الصلاحيات الواسعة المخولة للسلطة الإدارية باعتبارها جهاز تنقيدي منفصل عن السلطة القضائية، وتكون الإشكالية تدور حول تمكن القاضي من الاحتفاظ على فعاليته دون فقد التوازن بين النفع العام والحريات الفردية، وبهذا يذهب القاضي أحيانا إلى محاولة الموازنة بين المنافع والأضرار التي تتجه الإدارة إلى إحداثها من خلال إصدارها لقرار نزع الملكية.[19]
ومن جهة تانية فنظرية الموازنة بين الأضرار والمنافع لا يوجد تعريف محدد حولها نظرا إلى الصبغة العملية التي تتصف بها هذه النظرية، وكذا اختلاف المعايير التي يستند عليها القاضي الإداري بالنظر في كل المعطيات الخاصة بكل قضية مطروحة أمامه، فيمكن القول أن القاضي الإداري أثناء إعماله لهذه الوسيلة يقوم بالموازنة بين المزايا التي تنجز عن القرار وأضراره، كما أن القاضي الإداري في تطبيقه لهذه النظرية فهو يقوم بالانتقال من دوره الرقابي إلى إجراءات اتخاذ القرار الإداري إلى دور الموازنة بين درجة الأضرار ومنافع هذا القرار، ووفق هذا المنحى أكد مجلس الدولة الفرنسي في الحكم التأسيسي لنظرية الموازنة الا أنه ( لا يمكن تقرير المنفعة العامة لمشروع ما إدا كانت الاضرار على الملكية الخاصة والتكاليف المالية إذ اقتضى الحال الأضرار الاجتماعية التي تضمنتها لم تكن مفرطة مراعاة لأهمية التي تقدمها).[20]
المطلب الثاني: التطبيقات العملية والقضائية لنظرية الموازنة
1/ تطبيقات نظرية الموازنة من خلال الاجتهاد القضائي الفرنسي
لقد سبق لمجلس الدولة الفرنسي أن طبق بعض عناصر نظرية الموازنة، ففي إحدى القضايا المشهورة بفرنسا أقر مجلس الدولة شرعية قرار نزع الملكية للمنفعة العامة لتوسيع حلقة لسباق الخيل لمجموعة قرى تطل على البحر لما يؤدي اليه من المساهمة في التنمية الاقتصادية والسياحية لقرى” نيس” حيث شكلت إرهاصات أولية لحكمه المعروف باسم” المدينة الشرقية الجديدة” والذي عمق فيه مجلس الدولة مراقبته للمنفعة العامة لأجل عملية نزع الملكية عن طريق تطوير نظرية الموازنة، وتتلخص وقائع هذه القضية في أنه في سنة 1966 قررت الحكومة الفرنسية إنشاء تجمع سكاني جديد شرق مدينة ليل يتضمن مركبا جامعيا ومدينة جديدة، هذا المشروع يغطي مساحة 500 هكتار وتصل كلفته الى مليار فرنك فرنسي ويتطلب نزع ملكية وتهديم حوالي 100 سكن، و قد تم الإعلان عن المنفعة العامة لهذه العملية بموجب قرار مؤرخ في 03 ابريل 1968، فقامت جمعية بطرح هذا القرار على رقابة القضاء على أساس أن هدم مائة سكن يشكل ثمنا باهضا لإنجاز المشروع و بالتالي فهو ليس ذات منفعة عامة .[21]
وفي السابق كان القاضي الإداري يبحث فقط ما إذا كانت العملية بحد ذاتها ذات نفع عام دون النظر الى مكان إقامة المشروع أو مساوئه، وقد أدى ذلك الاجتهاد القضائي الى إضعاف مراقبة القاضي ما دام أن عليه الاعتراف بطابع النفع العام لكل عملية تخدم المصلحة العامة، لكن بموجب هذا القرار أشار مجلس الدولة أنه لا يمكن التصريح بأن عملية ما هي ذات نفع عام الا إذا كان المساس بالملكية الفردية والكلفة المالية والمضايقات الاجتماعية الناجمة عنها ليس مبالغا فيها بالنظر الى المصلحة العامة المرجوة منه، وبهذا التفكير وضع مجلس الدولة الفرنسي موازنة بين مزايا المشروع وعيوبه، سواء تعلق الامر بالكلفة المالية او انعكاساته على المحيط أو نتائجه على الملكية الفردية، وفي هذه القضية خلص المجلس الى أن هدم مائة سكن لا تنزع عن المشروع طابع النفع العام بالنظر الى أهمية المشروع ككل.
2/ تطبيقات نظرية الموازنة من خلال الاجتهاد القضائي المغربي
لم يكن القضاء المغربي في منأى عن التطور الذي عرفته مراقبة شرط المنفعة العامة في القضاء المقارن، ولا سيما القضاء الفرنسي من خلال ما يعرف بنظرية الموازنة، ويعتبر قرار المجلس الأعلى رقم 378 المؤرخ في 10 فبراير 1992 أول قرار شهير تمكن من خلاله القضاء المغربي بأحقيته في مراقبة مجال المنفعة العامة ومضمونها.
وتتلخص وقائع هذا الملف في أن شركة (ميموزا) حصلت على رخصة إدارية لإنجاز تجزئة سكنية وأنجزت الشطر الأول، وبعد شروعها في إنجاز الشطر الثاني صدر مرسوم بإعلان المنفعة العامة يقضي بإنجاز مشروع التنمية الحضرية لمدينة القنيطرة المتمثل في القضاء على مدن الصفيح، ووضع التجهيزات الأساسية الضرورية فعمدت الشركة المذكورة الى الطعن في المرسوم متمسكة بدفوعاتها التالية:
- أنها لم تبادر بإنجاز مشروعها إلا بعد الحصول على ترخيص من الجهة المختصة.
- وأنها أنهت الشطر الأول من المشروع وأنفقت في ذلك أموالا ضخمة، دون أن يصدر من الإدارة ما يفيد رغبتها في إيقاف المشروع، وغيرها من الدفوعات الأخرى.
و قد عللت الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى قرارها بأنه ” اذا كانت الإدارة تتوفر على السلطة التقديرية بخصوص المنفعة العامة التي تسعى الى تحقيقها من وراء نزع الملكية، فإن ذلك لا يمنع القضاء الإداري من مراقبة مضمون و أغراض المنفعة المذكورة، و ما إذا كان المنزوع ملكيته كما هو الحال في النازلة يسعى الى تحقيق نفس الأغراض و الأهداف بموافقة الإدارة المسبقة لإنجاز هذا المشروع ، مما يعني أن الإدارة التي رخصت للطاعنة بتحقيق هذا المشروع و تركها تحقق جزءا منه و تنفق مبالغ مالية هامة لا يمكنها أن تسعى إلى نزع الملكية للمنفعة العامة لتحقيق نفس الأغراض ،فإنها تكون مشتطة في استعمال السلطة.[22]
ويعتبر القرار الصادر عن الغرفة الادارية بالمجلس الأعلى سنة 1997 من بين أهم القرارات التي أسست لميلاد نظرية الموازنة بين المنافع والاضرار في القضاء الإداري المغربي، على أن تعبيرها بشكل صريح وأوضح عن اتجاهها الجديد هذا قد كان من خلال القرار المذكور الذي جاء فيه بصريح العبارة:
” وحيث أن الاتجاه الجديد في القضاء الإداري لا يكتفي بالنظر الى تحقيق المنفعة العامة نظرة مجردة و إنما تجاوز ذلك إلى النظر فيما يعود به القرار من فائدة تحقق أكبر قدر من المصلحة العامة و ذلك عن طريق الموازنة بين الفوائد و التي يحققها المشروع المزمع إنشاؤه و المصالح الخاصة للأفراد المنزوعة ملكيتهم، و بالتالي تقييم قرار نزع الملكية على ضوء مزاياه و سلبياته و المقارنة بين المصالح المتعارضة للإدارة و الخواص المنزوع ملكيتهم، كل ذلك في نطاق المشروعية المخولة لقاضي الإلغاء، فمبدأ الموازنة يبقى سلاحا مهما لحماية المشروعية، وعلى القضاء الإداري أن يمارس من خلال وظيفته كقاضي للمشروعية دورا متعاظما في الحد من السلطة التقديرية المخولة للإدارة للحيلولة دون تحولها الى سلطة تعسفية، وهو بذلك لن يقف في طريق الإدارة وإنما سيقف في طريق انحرافها.
وفي سنة 1997 وعلى إثر صدور المرسوم بإعلان أن المنفعة العامة يقضي بإنجاز تجزئة سكنية بسيدي العابد بعمالة الصخيرات – تمارة، وبنزع ملكية القطع الأرضية اللازمة لهذا الغرض، تقدمت شركة (بونيفلار) بطعن بإلغاء المرسوم المذكور لخرقه لقدسية الملكية وعرقلته للمبادرة الحرة بعلة أن الغرض الحقيقي من هذا النزع هو إنشاء فيلات ومساكن ضخمة مطلة على البحر، في حين أن الشركة المذكورة كانت تعتزم تحقيق مشاريع اجتماعية واقتصادية بإنشائها لمجمع سياحي وسكني على ملكيتها.
وقد أصدر المجلس الأعلى قرارا تمهيديا بإجراء خبرة حددت فيه مهام الخبير في النقط الآتية: تحديد طبيعة المشروع الذي كانت الطاعنة المنزوع ملكيتها تنوي تحقيقه مع المقارنة بين تكاليف المشروعين المذكورين وتحديد المنافع التي يمكن الحصول عليها من كل واحدة منها، تحديد الإمكانيات التي تتوفر عليها الشركة الطاعنة والمبالغ الموجودة لإنجاز مشروعها مقارنة مع الغلاف المالي المخصص من طرف الإدارة لإنجاز مشروعها، بيان النسبة التي يشكلها العقار موضوع النزاع من المساحة الإجمالية المخصصة للمشروع، وأخيرا تحديد نوع الأضرار التي تتحملها الشركة الطاعنة من جراء نزع الملكية مقارنة مع المصالح التي يتوقع الحصول عليها من جراء تنفيذ مشروع الإدارة وتحديد الفئات الاجتماعية التي تستفيد من نزع الملكية ونوع المنافع التي ستجنيها.
وكان الهدف من إجراء الخبرة هو الرغبة في الوقوف على طبيعة المنفعة العامة المتوخاة من قرار نزع الملكية المطعون فيه، بعدما نازعت الطاعنة في ذلك وادعت بأن الغرض من نزع الملكية هو إحداث فيلات وسكن راق، والتبرير هو أن الإدارة وإن كانت تستقل بتحديد أغراض وعناصر المنفعة العامة المتوخاة انطلاقا من سلطتها التقديرية، وانطلاقا من مسؤولياتها التي تؤهلها لتحديد حاجياتها من الأراضي الواجب نزع ملكيتها موقعا ومساحة، فإن قضاء الإلغاء يفرض مع ذلك رقابته على مشروعية اختيار الإدارة وعلى دواعيه ومدى ما يمكن أن تترتب عنه من أضرار سواء بالنسبة للطرف المنزوعة منه ملكيته أو بالنسبة للمرفق العام الذي نزعت الملكية لفائدته،
وبذلك يكون المجلس الأعلى من خلال هذا القرار قد حاول الوقوف على الغرض الحقيقي الذي تستهدفه الإدارة من نزع الملكية، معترفا لنفسه بأحقيته في بسط رقابته لتمتد إلى سلطة الإدارة في اختيار العقارات المراد نزع ملكيتها ومتخذا من مبدأ الموازنة بين الفوائد التي سيحققها المشروع المزمع إنشاؤه والمصالح الخاصة التي سيمس بها معيارا لبحث مشروعية قرار النزع.
وباختصار، فإن كان المجلس الأعلى يكتفي في اجتهاده السابق بمراقبة بعض عناصر النزاع المتعلقة بالنصوص والمسطرة، يعني المشروعية الخارجية لفعل نزع الملكية فإنه في هذا القرار قد تجاوز ذلك للنظر في المضمون الحقيقي للمشروع الذي يستلزم نزع الملكية.[23]
صفوة القول: نخلص إلى نتيجة مفادها أن فكرة المنفعة العامة فكرة بالغة الأهمية، وشرط جوهري للجوء الإدارة إلى نزع ملكية الخواص وحرمانهم من عقاراتهم وحقوقهم العينية من أجل إقامة مشاريع أو منشآت تعود بالنفع على المجتمع، إلا أن هذه الفكرة تبقى مرنة وليست محددة لا في الفقه ولا في التشريع و تتغير بتغير النمط الاقتصادي والاجتماعي السياسي السائد في الدولة، فالمنفعة العامة في ظل الفلسفة الليبرالية غير محددة ما جعل الدولة تفسرها حسب ما تراه مما أدى إلى التعسف أحيانا في اتخاذ إجراءات نزع المليكة واختيار المشاريع التي تحقق في نظرها النفع العام، أما في ظل الفلسفة التداخلية فقد أعطيت الاعتبارات الاقتصادية حيزا واسعا العقارات بالتخصيص ضمن أموال الدولة العامة، وبما أن حق الملكية هو حق مقدس ومكفول دستوريا عمد المشرع المغربي حمايته من تعسفات الإدارة وذلك عند استعمالها لسلطتها المتمثل في نزع الملكية وذلك من خلال إحاطته بعدة ضمانات تتمثل أساسا في وجود ممارسة الادارة لهذه العملية في إطار قانوني ووفقا لإجراءات قانونية كذلك، وفي حالة مخالفة الإدارة لهذه الإجراءات فأعمالها تكون خاضعة لرقابة القضاء من أجل الحد من التجاوزات والانتهاكات التي تهدد هذا الحق وكذا تعزيز دولة القانون.
وعليه وبعد تقييم 42 سنة من التجربة في مجال نزع الملكية، مضيفا أنه من خلال التجربة تبين أن هناك العديد من الإشكاليات المتمثلة أساسا في ضمان التوازن ما بين الحقوق والمصلحة الجماعية من جهة والحقوق والمصلحة الشخصية من جهة أخرى، وكذا مشكل التعويضات التي تعتبر غير كافية بالنسبة للعديد من المواطنات والمواطنين، مع إشكاليات تتعلق بالمساطر الإدارية الطويلة والمعقدة وبالأحكام وصعوبات تطبيقها على أرض الواقع.
وبالتالي فإن معالجة هذه الإشكاليات يبقى من الضروري وضع مقاربة تشاركية من أجل العمل على مراجعة القانون المتعلق بنزع الملكية لأجل المنفعة العامة لكي يواكب التطورات التنموية والاقتصادية والاجتماعية التي يشهدها المغرب ودستور 2011 والحقوق التي جاء بها، كما أن نزع الملكية يجب أن يتم لضرورة المصلحة العامة القصوى وأن يتم التعويض طبقا للأسعار المعمول بها في نفس تاريخ القيام بهذه العملية مع تبسيط مساطر الحصول عليه.
كما لابد من مراجعة إجراءات البحث الإداري والتدابير القضائية المتعلقة بنزع الملكية، إضافة إلى خلق صندوق لتمويل تعبئة العقار لفائدة المشاريع الاستثمارية وإنشاء وكالة وطنية يعهد إليها بتعبئة العقار لفائدة مشاريع البنيات التحتية والاستثمارية، مع ضرورة مراجعة الترسانة القانونية المؤطرة لنزع الملكية وفق ما تقتضيه مبادئ الحكامة الجيدة، وذلك تماشيا مع التوجيهات الملكية السامية، التي أكدها جلالته في الخطاب الملكي السامي بتاريخ 14 أكتوبر 2016 بمناسبة افتتاح السنة التشريعية للبرلمان.
[1] -أ-محمد شكري أبو رحيل: دور مجلس الدولة في الموازنة بين مبدأي المشروعية والأمن القانوني، مجلية الدراسات القانونية والاقتصادية، دورية عملية محكمة عدد 9492/2356.
[2] -أ- الزكراوي محمد: نزع الملكية بين مبدأ المشروعية وعيب المشروعية الاعتداء المادي، مقال منشور على الموقع الإلكتروني، www. Hazbne-web.com
[3] -أنظر الظهير الشريف رقم 1.11.178 الموافق ل 25 من ذي الحجة 1432 المتعلق بمدونة الحقوق العينية.
[4] – أنظر القانون رقم 81 -7 المتعلق بنزع الملكية لأجل المنفعة العامة وبالاحتلال الموقت.
[5] -أ-عبد العلي بن بنلياس: شرط المنفعة العامة في مسطرة نزع الملكية الخاصة، فضاء المعرفة القانونية www.espaceconnaissancejuridique.com
[6] -أ- ينظر البشير باجي: شرح قانون نزع المليكة لأجل المفعة العامة، مطبعة ومكتبة الأمنية، الطبعة الأولى لسنة 1991.
[7] – ا- عبد الغني ادو مجوظ: رقابة القضاء الإداري على إعلان المنفعة العامة في إطار نزع الملكية، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون العام تخصص العلوم السياسية جامعة محمد الخامس أكدال 2016/2015.
[8] -أ- الراجي بوشعيب: الإجراءات الإدارية والقضائية لنزع الملكية، مقال منشور بمجلة الالكترونية قانونك على الموقع الالكتروني، www.9anonk.com.
[9] -أ- سليم قلة: نزع الملكية لأجل المنفعة العامة، مقال منشور بالمجلة الالكترونية، www.marocdroit.com.
[10] -أ- الراجي بوشعيب: الإجراءات الإدارية والقضائية لنزع الملكية، مرجع سابق.
[11] -أ- سليم قلة: نزع الملكية من أجل المنفعة العامة مرجع سابق.
[12] -أنظر المادة 42 من قانون 81/7 المتعلق بمسطرة نزع الملكية.
[13]-أ-جابر أحلى، الدور الرقابي للقضاء في مسطرة نزع الملكية لأجل المنفعة العامة، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون العقود والعقار، جامعة محمد الأول كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بوجذة، السنة 2007/2008..
[14] -أ- زكريا الغلبزوري: التعويض عن نزع الملكية من اجل المنفعة العامة، مقال منشور بالمجلة الالكترونية: www.marocdroit.com.
[15] -أ- مراد عنبوش: الخبرة القضائية في المادة الإدارية، مقال منشور بالمجلة الالكترونية المعتمدة مجلة القانون والاعمال الدولية على الموقع الكتروني، www.droitetentreprise.com.
[16] – أ- الراجي بوشعيب: الإجراءات الإدارية والقضائية لنزع الملكية، مرجع سابق.
[17] – أ- الراجي بوشعيب: الإجراءات الإدارية والقضائية لنزع الملكية، مرجع سابق.
[18] – أ- الراجي بوشعيب: الإجراءات الإدارية والقضائية لنزع الملكية، مرجع سابق.
[19] -أ- بنجلون عصام: قضاء الموازنة وقرارات نزع الملكية للمنفعة العامة، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، يوليوز-غشت 2004/2005.
[20] -أ- محمد براد: تطور حدود النفعة العامة لأجل نزع الملكية من زاوية القضاء، مقال منشور بالمجلة الالكترونية على الموقع الإلكتروني www.maroclaw.com.
[21] -أ-هناء خزيبة: رقابة القاضي لشرط المنفعة العامة في نزع الملكية، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص 2008/2009..
[22] – قرار المجلس الأعلى رقم 378 المؤرخ في 10 فبراير 1992.
[23] -أ- جواد بوشكارة: نظرية الموازنة بين تطلعات التحديث وصعوبة تحديد التعويض عن زع الملكية، مقال منشور بالمجلة الالكترونية www.marocdroit.com.
تعليقات
إرسال تعليق